أطلق ضاحي بن خلفان (مواليد 1951) قائد عام شرطة دبي وعضو المجلس التنفيذي لحكومة دبي صيحة ضائعة أشبه بصراخ يوحنا المعمدان في صحارى وبحار الجزيرة العربية. فهل من سامع؟ يحذر أن لا صديق سياسياً لدول الخليج مالم تتحد، ولا مصلحة في حرب إيران من أجل أمريكا، بعد أفغانستان والعراق، ولا فائدة من سحق الشعوب وإهانة كرامتها.
وضع بن خلفان الذي خدم لما يقارب نصف القرن في الأمن حزمة "المهددات الأمنية" لدول الخليج في 38 سبباً تنحصر، رغم بعثرتها، في أمور السياسيات الداخلية والخارجية، وتمس الأمن الإقليمي ورؤية أمنية لمستقبل المنطقة وشعوبها وحكامها، وطالب بإصلاحات اقتصادية ودينية وإعلامية وثقافية وتعليمية واجتماعية.
وقدم ذلك في ورقة عملية ألقاها في مؤتمر "الأمن الوطني والأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية: رؤية من الداخل" الذي نظمه مركز البحرين للدراسات الاستراتيجية والدولية والطاقة بالمنامة بين 17-18 يناير 2012.
ففي حين قدم الأمير تركي الفيصل رئيس مجلس إدارة مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات ورقة بعنوان "تحديات الأمن الإقليمي لمجلس التعاون لدول الخليج العربية" قدم محمد جابر الأنصاري مستشار الملك للشؤون الثقافية والعلمية ورقة بعنوان"نظرة باتجاه المستقبل: ملامح الصورة المتغيّرة" غير أن الفيصل أدان الفشل الأمني الأمريكي في المنطقة، وأضاف عليه بن خلفان فاتحاً النار على كل من أمريكا وإيران وإسرائيل وقطر باعتبار أن مطامعهم تهدد المنطقة ورغم أنه لم يصرح باسم قطر، ولا الدول الخليجة المتعاونة مع إسرائيل ( وهو يلمح إلى قطر وعمان)، ولا الدول الخليجة المتبنية والداعمة للجماعات الإسلامية المتطرفة سنييها وشيعييها، إلا أنه هاجم بصراحة أمريكا وإيران ما أدى إلى أن يرمي السفير الأمريكي سماعة الترجمة ويمضي خارجاً من القاعة.
يمكن أن نضع تخطيطاً عاماً لتلك المهددات الأمنية التي ساقها بن خلفان في ورقته:
على المستوى الدولي - العالمي:
وضع من السياسة الأمريكية الشيطان برؤوس ثعبانية تمتد نواياها إلى سياسة قلب الأنظمة ( حيث فشلوا في العراق وأفغانستان)، ولكن تكرس مشروع الثورة الإيرانية الإسلامية بينما سياسة المصالح هدرت حق الشعب الفلسطيني من الاعتراف الدولي مقابل تدليل إسرائيل، ورأى في ذلك تدخلاً كما أن هناك تحكماً بجر دول الخليج إلى حرب ضد إيران. بينما غفل أن من ربى شرارات الفتنة الطائفية بصورة مخابراتية كانت أمريكا في مقابل غمز من ناحية دول خليجية في علاقتها بإسرائيل على مستوى التمثيل التجاري والسياسي الخفي لكل من قطر وعُمان، بالإضافة إلى علاقة غير متوترة لكل من الأخيرة والكويت مع إيران وهو ما أسماه بالتغريد خارج السرب، بينما يؤكد من جهة أخرى خنوع السرب تحت جناح السعودية لكل من البحرين والإمارات.
وقد رأى أن أمريكا لم تعد حليفاً واقترح تجربة الشيطان الأحمر روسيا، ولعلها واضحة الموقف حيث تساند الاستبداد البعثي ضد الشعب السوري!
ولا يعرف سبب ذلك الهجوم الذي يوحي بأن هناك تراجعاً أو تقاعساً في إنفاذ اتفاقية التعاون في مجال الطاقة النووية للأغراض المدنية والسلمية بين الإمارات والولايات المتحدة التي أبرمت عام 2009 رغم أن التقارير الاقتصادية تدأب إلى الرفع من شأن "التبادل التجاري غير النفطي" بين البلدين بإشارة إلى معدلات نمو مرتفعة، واتفاقيات تعاون لمكافحة "غسل الأموال" المتدفقة من لجان ثلاثية تدخل روسيا طرفاً فيها.
وتدفع التساؤلات أقصاها إلى الموقف الأمريكي السياسي الذي يحمل مصالحه في أمرين تقليديين:" آبار النفط وحماية إسرائيل"الغير موفقة للتواصل بينها وبين الخليج على مستوى التمثيل السياسي بالإضافة إلى حقن الصراعات بين "ممالك الخليج" وجيرانها "العجم" بمضادات عكسية تسمح بـ"القلق الخليجي"وتوتير"اللعب الإيراني" رغم أن التوترات تأتي أيضاً من ادعاءات للأجهزة المخابراتية العربية- العربية العائشة ضمن"ذهنية المؤامرات"، وهو أمر بحق يحتاج إلى دراسة تحولاته التاريخية، وهذا ما تكشفه حادثة إغلاق مكتب "المعهد الديمقراطي الوطني في دبي" إثر الحملة على فرع مكتبه وسواه من المنظمات الحقوقية في القاهرة التي شنها المجلس العسكري في مصر لتضييق الخناق على النشاط الحقوقي مارس 2012، وبعدها مهاجمة خلفان للإخوان المسلمين إثر اعتقال ناشطين إسلاميين إبريل 2012 التي استمرت حتى مهاجمة الرئيس المصري الجديد محمد مرسي المنتمي إلى حزب العدالة والحرية الممثل السياسي للإخوان المسلمين.
مم يخاف خلفان، وهو رجل الأمن الأعلى صوتاً في الخليج؟ المرحلة الجديدة ومتطلباتها أم ملفات باتت الأيام القادمة تهدد بكشفها أكثر من أي وقت مضى؟
وأما على المستوى الإقليمي - الخليجي:
فقد وضع أول قائمة المهددات الأمنية "المفاعل النووي الإيراني"، وأطماع إيران في دول الخليج بعين على حقول النفط، وإحكامها السيطرة على العراق وما يعرف في المنطقة من محالفتها كل من سوريا وتمكن ذراعها حزب الله من لبنان. كما أشار إلى التصريحات السياسية المستفزة أو المتهورة ضد دول الخليج. ووضع من اليمن أزمة مختصراً القضية اليمنية في "نبات القات" الذي عطل الحياة في اليمن في مقابل تجاهل من أغرق اليمن في صراعات دائمة واستخف بالثورة اليمنية وشبابها الذين وقفوا واعتصموا في ساحة التحرير !
ويعود إلى استفزاز قطر من خلال عقدة الذنب التي لازمت المجموعة الإعلامية التي تدير محطة الجزيرة حين أخرست نفسها وقصرت مهنياً عن تغطية ثورة الشعب البحريني في 14 فبراير ودخول جيش درع الجزيرة ومجزرة قتل المتظاهرين في دوار اللؤلؤة وفي مستشفى السلمانية حيث أدان مراجعة الجزيرة نفسها وعرضها برنامج " صراخ في الظلام" (أغسطس 2011)، ورآه تسييساً إعلامياً لتأجيج المنطقة بينما غفل وهو رجل أمن بالدرجة الأولى عن الدفاع عن جزر الإمارات المحتلة من إيران في مقابل يوسوس الإعلام الخليجي بإيران أكثر مما تريد هي أن يكون !
ورمى بوجه الحضور مقترح الشيخ زايد آل نهيان ( مشروع الاتحاد التساعي ) تلافياً لمشروع إسقاط الأنظمة الذي تتآمر على إنجازه أقطاب إقليمية ودولية.
وينتهي إلى المستوى الداخلي - المحلي:
ليضع مخططاً مبعثراً حول النظام السياسي والقضايا الاقتصادية والتعليمية والإيديولوجية ما بين اعترافات ميتة سلفاً عن تبني ودعم الجماعات الدينية المتطرفة كالإخوان المسلمين، وتجاهل الحلف الديني المذهبي للشقيقة الكبرى! وتأجيج الصراعات الطائفية (سنة –شيعة) على مستوى كتاب الصحف ومشايخ الإعلام، وعدم سيادة القانون، وفقدان العدالة الاجتماعية (عدم إتاحة الفرص التعليمية والصحية والاستثمارية والمهنية والقضائية)، وقمع الحريات الإعلامية، وتسلط وتعسف الأجهزة الأمنية، وشللية المناصب، والتدهور الاقتصادي بهدر المال العام، وانتشار البطالة دون ضمان اجتماعي، والفساد المالي والإداري الحكومي.
وبين محاولات لتعليق الجرس المكسور حول أبدية الحكم العائلي، وغياب تداول السلطة السلمي، وانعدام المجالس المفتوحة بين الحاكم والمحكوم! قاضياً على فكرة المشاركة السياسية! وضعف الانتماء الوطني، وفقدان الولاء.
وتوالت الجمل البلاغية المسجوعة من أمثال وحكم لتذكرنا بصوت الكهنة الذين يرمزون حين يعجزهم الإفصاح والمباشرة، فهو يدين المحسوبية والواسطة بقوله"اللي بيته من صفيح لا يأمن الريح"، وعرضه التدهور الاقتصادي بكونه "ثراء فاحشاً وفقراً ناهشاً"، وفي جملة مرتبكة قال"تضخم الصندوق السيادي والمواطن مفلس الأيادي"غير أنه ختم خطبته بالمهدد الأمني الأخير"هجرات الطوفان. اختلال تركيبة السكان. غربة الأوطان. انعدام الأمان. تفاقم الأحزان".
يصرخ يوحنا الخليجي صراخاً ضائعاً بالرياح، بين دولة ستختفي، وثانية ستنهار مقابل فضائح كبرى، وأخرى ستتفكك بشكل صادم بينما تتماسك دولتان غير متوقعتين. أهي ثورة الطبيعة لا البشر. تراها ثورة النفط المسكين؟ أم هي ثورة المفاعل النووي الذي سيبيد كل شيء؟
أهو صراع قبائلي جديد برسم نظرية الفوضى؟ أم هو تصفية المؤسسات الأمنية والاستخباراتية ونتاجاتها ؟ حين يهدد ويتوعد ثم يسخر ويحذر من خطر"الإخوان المسلمين" أمنياً واهماً حصدانهم الربيع الذي كان بذاراً لم يأن لبراعمه الظهور! جاهلاً أن ملف الربيع دورة كاملة لم تنته إن بدأت في تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا فهي تنطلق في السودان والعقد ينفرط ..
لعله لم يكن صراخاً من بن خلفان بل هو نبوءة تذكر بإحدى نبوءات جداته "الكاهنة طريفة" الخير التي فسرت حلماً بنهاية عصر كامل زمن تتابعة اليمن بانهيار سد مأرب بسبب جرذ دفع بالصخرة تلو الأخرى واندلع سيل العرم، فغدت الحضارة اليمنية ذكرى.
وبقي صوت فيروز ينسل صداه مع الرياح :
"وينن..وينن.
وين أصواتن ..وين وجوهن..
صار فيه وادي بيني وبين".
روابط:
-فيديو| كلمة ضاحي خلفان المثيرة في مؤتمر البحرين
• ضاحي خلفان: لا نستبعد حربا جديدة ويجب أن نستعد لها
• دول الخليج تستعد لحرب أمريكية – إيرانية
• القاهرة تستوضح الإمارات حول تصريحات خلفان
• الاتفاق النووي بين الإمارات وأمريكا يدخل حيز التنفيذ
• الإمارات والولايات المتحدة وروسيا تكافح غسل الأموال
• التبادل التجاري بين الإمارات والولايات المتحدة ينمو 71% إلى 21,8 مليار درهم